Tuesday, May 15, 2012

حول العودة من غزة


الرجوع إلى القاهرة من غزة تجربة غريبة وصعبة. لمدة خمسة أيام، عشنا - نحن مجموعة الأدباء والفنانين العرب الذين كنا "احتفالية فلسطين للأدب" - في غزة. والآن غادرنا. 

الأضواء، الضجيج، السيارات؛ القاهرةالفروقات الشاسعة عبر المسافة القريبة. 

غزة، جارتنا، شقيقتنا: كم نحن قريبون، وكم تكافح الآن، وحدها.

لكن غزة لم تهزم. 

سراييفو تختال بعلامات الحرب فيها: تؤطر وتبرز دروس التاريخ للأجيال القادمة. بيروت تغطي علاماتها بالمساحيق والمولات - تختار أن تنسى، أن تعيش لليوم. نيويورك تدفع بنفسها في السماء، تنغرس فيها، تتحدى المستقبل. أما غزة فتعيد البناء، وتعيد البناء، وتعيد البناء. كل ما لديها تستعمله - فقط لتظل باقية. ليس بمقدورها أن ترسخ تاريخها ولا أن تؤَمِّن مستقبلها. تعيش بحسم في الحاضر: تعيد البناء، وتعيد البناء، وتقاوم. 

في غزة تبتلع الأساسيات حياتك اليومية - المياة، الكهرباء، البنزين. كلها تعاني فيها النقص، كلها تظهر وتختفي بتخطيط أياد أجنبية. 

في غزة تشم أنفاسك فقط حين تنظر إلى البحر، وحين تغرب الشمس تتقد المياة بكشافات السجن - خط متكامل ثابت من الأضواء يبتر الأفق، يمحي إمكانيات المجهول.

في غزة يعرف الناس أنك غريب حين تجفل لدوي خرق حاجز الصوت؛ لم تكتسب بعد المناعة لعذابات السجان.

في غزة تعلق بين الماضي والحاضر: تعاني وحشية الاستعمار القديم، يجسد تهديده اليوم روبوتات طائرة.

في غزة قوبلت بدفء لم أخبره من قبل، ورأيت صمودا لا يجب أن يطالَب به بشر، وتشرفت بالتعرف على شعب يحافظ - في وجه كل المصاعب - على القيم التي تشكل صميم إنسانيتنا: العطف، والتراحم، والتجمعية، والصبر. التخلي عن غزة يثير التساؤلات حول كم الإنسانية المتبقية فينا - ويدفعنا للعمل على التمسك بها. 


No comments:

Post a Comment